ينتظر ان تكون تونس مدعوة الى جانب 137 بلدا الى الانطلاق يوم 2 اكتوبر 2023 في توقيع جزء من اتفاقية الضريبية العالمية والشروع في تنفيذها ما يطرح أسئلة حول مدى استعداد السلط التونسية لقبول التفريط في عائداتها الجبائية وحقها السيادي في فرض الضريبة، باعتبار ان توحيد الضريبة في حدود 15 بالمائة على أرباح الشركات المتعددة الجنسيات يفرض على البلاد اطارا يحد من قدرتها على التحكم في الجباية، وفق ما بينه المرصد التونسي للاقتصاد.
وقد تقدمت السلط المالية التونسية يوم 24 جويلية 2023، حسب احدث بيانات المنظمة نشرتها الإدارة العامة للجباية (التابعة لوزارة المالية)، بطلب للانضمام الى الدول الموقعة على اتفاقية الضريبة العالمية.
ويأتي تقييم المرصد التونسي للاقتصادي، وفق ما ورد في نشرته الاخبارية الصادرة يوم 8 سبتمبر الجاري، انطلاقا من ان نسبة الضغط الجبائي في تونس، مجموع الضرائب والاداءات على الناتج المحلي الإجمالي، تناهز حسب ارقام المنظمة ذاتها، 5ر32 بالمائة في 2020 ما يعني ان التخفيض في النسبة الى 15 بالمائة يحرم الدولة التونسية من عائدات كبرى تناهز نسبتها حوالي 5ر17 بالمائة من مجموع الموارد الضريبية.
وتعمل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، صاحبة المبادرة، على إرساء « إصلاحات » على القواعد الضريبية الدولية من خلال اتفاقية الضريبة العالمية تحت مظلة الإطار الشامل لتآكل الوعاء الضريبي (نقص مستوى قاعدة تطبيق الضريبة) وتحويل الأرباح أو ما يسمى أيضا ب « حل الركيزتين ».
ويعني اعتماد الاتفاقية بتعلة مقاومة التهرب الضريبي في العالم، تمكين الشركات الكبرى لاسيما العاملة في مجال الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا من الهيمنة الجبائية وفرض نسب الضريبة التي تتلاءم مع رغباتها في تعظيم ثرواتها على حساب الإيرادات المحلية الجبائية.
وشدد المرصد على ان اتفاقية الضريبة العالمية والمعروفة، ايضا، بحـل الركيزتين هي محاولة لتعديل القواعد الضريبية العالمية انطلقـت المنظمة في مناقشتها سنة 2019، ويؤدي حـل الركيـزة الأولى الى إعادة توزيـع الحق الضريبي بين تشريعات الدول التـي تتواجد فيهـا الـشركات متعـددة الجنسـيات الناشـطة في مجال الاقتصاد الرقمــي فيما ينجر عن حلّ الركيـزة الثانية تحديــد الحــد الادنى العالمي للضريبة ب 15 بالمائة.
ويرى المرصد التونسي للاقتصاد أن حلّ الركيـزة الأولى وقواعدها ستؤدي الى حرمان البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط (مثل تونس) من حقها الطبيعي في فرض ضريبة عـلـى الخدمات الرقمية تحدد نسـبتها وفق عمليـة قرار سـيادية شعبية تراعـي تطور احتياجات اقتصادها مقابل وعـود بتحويل جـزء من أرباح كبرى الـشركات الرقمية وبذلك فان الامر لا يتعلق فقـط باقتسـام الأرباح المتبقية فحسب، بـل بالسـيادة الضريبية للــدول التــي تضمــن ســلطتها في تقريــر مصيرها الاقتصادي عبــر تحديــد السياسة الضريبية التي مــن شأنها تطويـر الإيرادات الضريبية بشـكل يحقـق التقـدم والرفاه لشعوبها.
اما في خصوص حلّ الركيزة الثانية، فان انظمـة الامتيازات الجبائيــة في بلدان شـمال افريقيا وتداعيات اتفاقيــة الضريبة العالمية عـلـى العائدات الجبائيــة لهـذه البلدان، تشير الى ان دخــول الاتفاقية الضريبية العالمية حيّز التنفيذ يؤدي الى خسارة هذه البلدان المزيد من العائدات الجبائية خاصــة في تونس، ذلك ان نسبة الضريبة الفعليــة، بعد احتساب الامتيازات الجبائيــة، ســتكون اقل مــن 15 بالمائة، التي نصـت عليهـا منظمـة التعاون الاقتصادي والتنميــة ،وهــو مــا سـيجعل من تونس تقتسم عائداتهــا الجبائيــة مــع بلــدان المنشأ للشركات متعددة الجنسية، وفق المرصد.
وطالب المرصد التونسي للاقتصاد، وفق الوثيقة ذاتها، بان تمتنع الدولة التونسية عن امضاء الاتفاقية متعددة الاطراف لمنظمة التعاون الاقتصادي التي سيتم نشرها للإمضاء في اكتوبر القادم داعيا الى امضاء نداء شمال افريقيا من اجل سياسات جبائية عالمية اكثر عدلا في المنطقة توقف نزيف العائدات الجبائية وتحمي حقوق البلدان في فرض الضريبة
يذكر ان تونس عانت قبل 2011 وبعده من ظاهرة تهريب الاموال والتهرب الجبائي باستعمال اساليب مختلفة حيث بلغت الاموال المهربة، وفق تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، نحو 39 مليار دولار زمن بن علي بينما قدرت بحوالي 296 مليون دولار خلال فترة حكم بورقيبة (1970 – 1987)
ودأب رئيس الدولة، قيس سعيد، باستمرار على التأكيد على ضرورة حماية المال العام من النهب وإحكام مراقبة التدفقات المالية وإرجاع، من استولوا على مقدرات الشعب، الاموال التي استحوذوا عليها لتوظيفها في مجالات التنمية وتحقيق الرفاه للشعب التونسي.