قدمت جمعيّة مدى للمـــــسرح بتطاوين  مسرحيّة « بـــرزخ » يوم أمس الجمعة 19 فيفري 2016   بقاعة دار الثقافة إبن رشيق بالعاصمة .
» بـــرزخ »  نص : ابراهيم بنعمر و سينوغرافيا و اخراج : حافظ خليفة ، و يقوم بالاداء كل من منتصر الحداد ، شكري قمعون ، رياض الرحومي ، كامل الحداد ، أنور بن عمارة ، أسماء بن حمزة  ، سهير المرّاحي.
تدور أحداث برزخ حول ثلاث شخصيات تعيش فى حالة سفر بين الموت والبعث بعد أن قتلت من طرف قناصة فتحاول البحث عن الخلاص واختصار هذا الزمن الغريب للتعجيل بمحاسبة من قتلها فتصادف أثناء رحلتها رموزا للنضال الوطنى والعربى والدولى .

وانبنى العمل وفق أنساق من الخيال الابداعى تداخلت فيها شتى الاجناس المسرحية بين السخرية والتراجيديا والعبث لتقدم فى محتواها قراءة معمقة لواقع امتزجت أحداثه بالعنف وتلطخت بالدماء.

عالم البرزخ الذى اختاره المولف مسرحا للاحداث جعله المخرج مزيجا من الخيال الابداعى لما رسم الشخصيات الرئيسية على المفارقة والسخرية فشخصية الشيخ المتدين مثلا واصلت عند البرزخ ممارسة الكذب والتضليل تحت غطاء الدين وشخصية قيس مازالت بعبثها مع الخمرة فى مكان كان يجدر أن يكون مقدسا ولكنه تحول مع هذه الشخصيات الى مكان مدنس ترتكب فيه الرذائل وتجلت فيه مظاهر العربدة والكذب والعنف المادى واللفظى والتكفير وهو ما لا يتناسب مع البرزخ بما أنه مكان مقدس وهى مفارقة أخرى استثمرها المخرج فى حلحلة الصورة الواقعية وتفكيك خلفياتها السياسية والفكرية.

واستطاع المخرج حافظ خليفة فى هذا العمل الذى يستغرق 75 دقيقة أن يوظف الشخصيات الرئيسية فى تصوير هزلى لم يخل من الجد لواقع سياسى بعيد كل البعد عن قضايا الثورة والشعب على حد تعبير المخرج.

وفى هذا الفضاء الخيالى البرزخ تداخلت عناصر المفارقة والسخرية والنقد فى جانبيه السياسى والاجتماعى وابتكر المخرج شكل أحداث المسرحية فجعل الشخصيات ترحل فى المكان باحثة عن وادى السلام فى البرزخ لتحجز لنفسها مكانا فى الجنة باعتبار أن كل شخصية ماتت شهيدة الامر الذى أتاح اثارة مفهوم الشهادة من منطلقات ايديولوجية مختلفة,

وفتح حافظ خليفة ملف شهداء الثورة من جديد ليتساءل عن ماهية الشهيد الحقيقى الذى لم ينل حقه الى اليوم ولم تكشف ملابسات اغتياله بعد فحاول بأسلوب ساخر وعبثى أن يسلط الضوء على ما أسماها بعبثية السلطة السياسية فى التعامل مع ملف شهداء الثورة وجرحاها وعدم جديتها فى التعاطى مع ملف الاغتيالات السياسية .

واستعاد المخرج عن قصد شخصيات تاريخية كالشهيد النقابى فرحات حشاد والثائر ارنيستو تشى غيفارا ليتساءل ان كانت هذه الشخصيات قد نالت حظها فى التاريخ.

وشكل عنوان المسرحية برزخ العتبة التى يجتازها المتلقى الى أحداث العمل ومضامينه وهو اختراق فنى محكم عكس حبكة المخرج فى الانتقال من مشهد الى اخر باتقان فالبرزخ بما هو مكان مظلم يحمل ايحاءات ومقاصد عديدة أحالت المتفرج الى الواقع المعاش فالمخرج استعار رمزية البرزخ ليضعها محل مقارنة مع الواقع ويترك المجال للمشاهد أن يتساءل ان كانت هذه الشخصيات تعيش فى برزخ فعلا أم أن الانسان فى عالم الواقع أضحى ميتا بلا قبور .

برزخ مسرحية عبثية ساخرة وتراجيدية أسقطها المخرج على الواقع المعاش ليسخر من الواقع السياسى والاجتماعى ويفضح الممارسات السلبية كالظلم والفساد وغياب العدل وتحقيق المارب الذاتية واهمال القضايا المتعلقة بكشف ملابسات قتل شهداء الثورة والاغتيالات السياسية وغيرها من القضايا الهامة.