في الذكرى الثامنة والستين لإعلان الجمهورية .. إضاءات على المحطات السياسية الفارقة التي تزامنت مع هذا التاريخ الرمز

تحيي تونس، اليوم الجمعة ، الذكرى الثامنة والستين لإعلان الجمهورية، بعد إلغاء الملكية وإقرار النظام الجمهوري من قبل المجلس القومي التأسيسي التونسي، الذي أعلن يوم 25 جويلية 1957، أي بعد حوالي عام ونصف من استقلال البلاد، إلغاء الحكم الملكي الحسيني، الذي دام 252 عاما، وتبني النظام الجمهوري، ووقع آنذاك تكليف الحبيب بورقيبة بمهام رئاسة الجمهورية .
وإثر عقد المجلس القومي التأسيسي جلساته الأولى (صدر أمر بإحداث المجلس يوم 29 ديسمبر 1955)، بدأت تتبلور فكرة تغيير نظام الحكم، وصدرت عدة نصوص قانونية تعلّقت بتنظيم السلطة، وبالتالي الحد من نفوذ الباي وامتيازات العائلة المالكة، فصدر أمر عليّ بتاريخ 3 أوت 1956 ، تم بموجبه تنقيح الأمر المؤرخ في 21 سبتمبر 1955 المتعلق بالتنظيم الوقتي للسلط العمومية.
وبمقتضى هذا التنقيح، تم سحب السلطة الترتيبية من الباي، لتصبح من مشمولات الوزير الأكبر (رئيس الحكومة)، الذي صار يتخذ الأوامر ذات الصبغة الترتيبية أو العادية ويمضيها معه الوزير الذي يهمه الأمر. كما تقرر إلغاء الامتيازات والإعفاءات والحصانات التي كان يتمتع بها أفراد الأسرة الحسينية، ووضع تراث الباي الخاص وملك الدولة المخصص للتاج تحت تصرف وإدارة وكيل، يتم تعيينه من بين متصرفي الحكومة.
وفي 9 جانفي 1957 ، تم إعداد مشروع دستور للمملكة، جاء في فصله الرابع أن "الدولة التونسية دولة ملكية دستورية"، لكن هذا المشروع لم ير النور، وقرر المجلس القومي التأسيسي في 25 جويلية 1957 إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية.
ونصّ إعلان الجمهورية الذي ورد في أربع نقاط، على إلغاء النظام الملكي الغاء تاما وإعلان تونس دولة جمهورية، وتكليف رئيس الحكومة أنذاك الحبيب بورقيبة بمهام رئاسة الدولة الى حين دخول الدستور حيز التطبيق، إضافة إلى تكليف الحكومة بتنفيذ هذا القرار، وباتخاذ التدابير اللازمة لصيانة النظام الجمهوري، وكذلك تكليف رئيس المجلس القومي التأسيسي والأمين العام لمكتب المجلس والحكومة بنشر هذا القرار.
وفي سنة 1959 ، تمّ تعديل إعلان الجمهورية دستورياً، ليقر سيادة الشعب ويضمن حقوق المواطنين، بالتنصيص على أنّ النظام الجمهوري خير كفيل لحقوق الانسان وإقرار المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وتوفير أسباب الرفاهية بتنمية الاقتصاد واستخدام ثروة البلاد لفائدة الشعب، وأنجع أداة لرعاية الأسرة وضمان حق المواطنين في العمل والصحة والتعليم.
ومنذ إعلان الجمهورية التونسية في 25 جويلية 1957، شهدت تونس عدة محطات تاريخية بارزة ومفصليّة تزامنا مع هذه الذكرى، حيث تمّ في 25 جويلية 1988 تعديل الدستور وحصر رئاسة الجمهورية في ثلاث ولايات كحد أقصى وإلغاء الرئاسة مدى الحياة، وهو ما تمّ التراجع عنه سنة 2002 بعد إجراء تعديل للدستور سمح لرئيس الجمهورية أنذاك بالترشح لولاية رئاسية رابعة، بالإضافة إلى رفع الحد الأقصى لسن الترشح.
وفي سنة 2013 ، شهد هذا التاريخ حادثة اغتيال سياسي للأمين العام لحزب التيار الشعبي ونائب الجبهة الشعبية بالبرلمان محمد البراهمي، مما أدى إلى احتجاجات حاشدة وأزمة سياسية أثرت على المشهد السياسي في تونس، وكذلك وفاة الرئيس الأسبق الباجي قايد السبسي في 25 جويلية 2019 قبل نهاية عهدته الرئاسية، وتنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها أدت إلى فوز الرئيس الحالي قيس سعيّد.
أمّا في 25 جويلية 2021 ، فقد أعلن رئيس الجمهورية قيس سعيّد "إجراءات استثنائية" شملت إقالة رئيس الحكومة آنذاك هشام المشيشي، وتعليق أشغال مجلس نواب الشعب وورفع الحصانة عن النواب، مستندًا إلى الفصل 80 من دستور 2014، بسبب ما وصفه ب "خطر داهم يهدد أمن البلاد واستقلالها ويعطل سير دواليب الدولة"، وهي إجراءات تزامنت مع وعود بإصلاحات هامة لحل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها تونس.
وفي سنة 2022 أي بعد عام واحد من إقرار هذه الاجراءات الاستثنائية، وفي نفس التاريخ الرمزي أي 25 جويلية، نظمت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات استفتاء شعبيا على دستور جديد يعزز صلاحيات رئيس الجمهورية.
وبعد مرور أربع سنوات على هذه الإجراءات الاستثنائية، ينقسم الرأي العام اليوم، بين من يرى أنه كان لا بد من هذه الخطوة لتصحيح مسار ثورة 17 ديسمبر 2010 وتكريس شعارها "شغل، حرية، كرامة وطنية"، وإنهاء حالة الفوضى والشلل السياسي في البلاد، وبين من يعتبر أن الإصلاحات المرجوة من وراء تطبيق الفصل 80 من دستور 2014، مازال يتطلب تحقيقها مسارا طويلا وجهدا كبيرا.